سلسة تراجم الأمام الغزالي من كتب التاريخ والطبقات والتراث.

يسر موقع الغزالي أن يقدم لمتصفحى الموقع والباحثين أن يقدم ترجمة القاضي أبي بكر بن العربي من المعاصرين للأمام الغزالي

من : نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب

ترجمة القاضي أبي بكر بن العربي المعافري

8- ومن الراحلين إلى المشرق من الأندلس الإمام القاضي: أبو بكر بن العربي .

قال ابن سعيد : هو الإمام العالم القاضي الشهير فخر المغرب، أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، قاضي قضاة كورة إشبيلية، ذكره الحجاري في المسهب ، طبق الآفاق بفوائده، وملأ الشام والعراق بأوابده، وهو إمام في الأصول والفروع وغير ذلك.

ومن شعريه وقد ركب مع أحد أمراء الملثمين، وكان ذلك الأمير صغيراً، فهز عليه رمحاً كان في يده مداعباً له، فقال: [الطويل]

يهز علي الرمح ظبي مهفهف                لعوب بألباب البرية عابث

ولو كان رمحاً واحداً لاتقيته               ولكنه رمح وثان وثالث

وقوله وقد دخل عليه غلام جميل الصورة في لباس خشن: [الرمل]

لبس الصوف لكي أنكره                           وأتانا شاحباً قد عبسا

قلت إيه عرفناك وذا                          جل سوء لا يعيب الفرسا

كل شيء أنت فيه حسن                             لا يبالي حسن ما لبسا

وزعم بعض أن الأبيات ليست له، وإنما تمثل بها، فالله تعالى أعلم.

وممن عرف بابن العربي وذكره ابن الإمام في سمط الجمان ، والشقندي في الطرف ، وكان قد صحب المهدي محمد بن تومرت بالمشرق، فأوصى عليه عبد المؤمن وكان مكرماً عنده، وحكي أنه كتب كتاباً فأشار عليه بعض من حضر أن يذر عليه نشارة، فقال: قف، ثم فكر ساعة، وقال: اكتب: [الخفيف]

لا تشنه بما تذر عليه                         فكفاه هبوب هذا الهواء

فكأن الذي تذر عليه                         جدري بوجنة حسناء

ولقي أبا بكر الطرطوشي، وما برح معظماً إلى أن تولى خطة القضاء، ووافق ذلك أن احتاج سور إشبيلية إلى بنيان جهة منه، ولم يكن بها مال متوفر، ففرض على الناس جلود ضحاياهم، وكان ذلك في عيد أضحى، فأحضروها كارهين، ثم اجتمعت العامة العمياء، وثارت عليه، ونهبوا داره، وخرج إلى قرطبة.

وكان في أحد أيام الحمع قاعداً ينتظر الصلاة، فإذا بغلام رومي وضيء قد جاء يخترق الصفوف بشمعة في يده وكتاب معتق، فقال: [السريع]

وشمعة تحملها شمعة                              يكاد يخفي نورها نارها

لولا نهى نفس نهت غيها                             لقبلته وأتت عارها

ولما سمعهما أبو عمران الزاهد قال: إنه لم يكن يفعل، ولكنه هزته أريحية الأدب ولو كنت أنا لقلت: [البسيط]

لولا الحياء وخوف الله يمنعني                              وأن يقال صبا موسى على كبره

إذاً لمتعت لحظي في نواظره                             حتى أوفي جفوني الحق من نظره

رجع إلى أخبار ابن العربي - فنقول: إنه سمع بالأندلس أباه وخاله أبا القاسم الحسن الهوزني وأبا عبد الله السرقسطي، وببجاية أبا عبد الله الكلاعي، وبالمهدية أبا الحسن بن الحداد الخولاني، وسمع بالإسكندرية من الأنماطي، وبمصر من أبي الحسن الخلعي وغيره، وبدمشق غير واحد كأبي الفتح نصر المقدسي، وبمكة أبا عبد الله الحسين الطبري وابن طلحة وابن بندار، وقرأ الأدب على التبريزي، وعمل رحمه الله تعالى على مدينة إشبيلية سوراً بالحجارة والآجر بالنورة من ماله، وكان -كما في الصلة- حريصاً على آدابها وسيرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب فيها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة، ولين الكنف، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الود.

وذكره ابن بشكوال في الصلة وقال فيه: هو الإمام الحافظ، ختام علماء الأندلس، رحل إلى المشرق مع أبيه مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودخل الشام والعراق وبغداد، وسمع بها من كبار العلماء، ثم حج في سنة تسع وثمانين، وعاد إلى بغداد، ثم صدر منها.

وقال ابن عساكر : خرج من دمشق راجعاً إلى مقره سنة 491، ولما غرب صنف عارضة الأحوذي ولقي بمصر والإسكندرية جملة من العلماء، ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وقدم إشبيلية بعلم كثير، وكان موصوفاً بالفضل والكمال، وولي القضاء بإشبيلية، ثم صرف عنه، ومولده ليلة يوم الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي بمغيلة بمقربة من مدينة فاس، ودفن بفاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، انتهى كلام ابن سعيد وغيره ملخصاً.

وما وفى ابن سعيد حافظ الإسلام أبا بكر بن العربي حقه، فلنعززه بما حضرنا من التعريف به، فنقول: إنه لقي ببغداد الشاشي الإمام أبا بكر والإمام أبا حامد الطوسي الغزالي ، ونقل عنه أنه قال: كل من رحل لم يأت بمثل ما أتيت به من العلم إلا الباجي، أو كلاماً هذا معناه، وكان من أهل التفنن في العلوم، متقدماً في المعارف كلها، متكلماً على أنواعها، حريصاً على نشرها، وقام بأمر القضاء أحمد قيام، مع الصرامة في الحق، والقوة والشدة على الظالمين، والرفق بالمساكين، وقد روي عنه أنه أمر بثقب أشداق زامر، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه، وقرأ عليه الحافظ ابن بشكوال بإشبيلية.

وقال ابن الأبار: إن الإمام الزاهد العابد أبا عبد الله بن مجاهد الإشبيلي لازم القاضي ابن العربي نحواً من ثلاثة أشهر، ثم تخلف عنه، فقيل له في ذلك، فقال: كان يدرس وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السلطان، انتهى.

وذكره ابن الزبير في صلته، وقال: إنه رحل مع أبيه أبي محمد عند انقراض الدولة العبادية، وسنه نحو سبعة عشر عاماً، إلى أن قال: وقيد الحديث، وضبط ما روي، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن، ومات أبوه -رحمه الله تعالى!- بالإسكندرية أول سنة ثلاث وتسعين فانصرف حينئذ إلى إشبيلية، فسكنها، وشوور فيها، وسمع ودرس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، وصنف في غير فن تصانيف مليحة حسنة مفيدة، وولي القضاء مدة أولها في رجب من سنة ثمان وعشرين، فنفع الله تعالى به لصرامته ونفوذ أحكامه، والتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أوذي في ذلك بذهاب كتبه وماله، فأحسن الصبر على ذلك كله، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه وكان فصيحاً، حافظاً، أديباً، شاعراً، كثير الملح، مليح المجلس.

ثم قال: قال القاضي عياض -بعد أن وصفه بما ذكرته-: ولكثرة حديثه وأخباره وغريب حكاياته ورواياته أكثر الناس فيه الكلام، وطعنوا في حديثه، وتوفي منصرفه من مراكش من الوجهة التي توجه فيها مع أهل بلده إلى الحضرة بعد دخول الموحدين مدينة إشبيلية، فحبسوا بمراكش نحو عام، ثم سرحوا، فأدركته منيته، وروى عنه خلق كثير، منهم القاضي عياض وأبو جعفر بن الباذش وجماعة، انتهى ملخصاً.

ووقع في عبارة ابن الزبير تبعاً لجماعة أنه دفن خارج الجيسة بفاس، والصواب خارج باب المحروق، كما أشبعت الكلام على ذلك في أزهار الرياض وقد زرته مراراً، وقبره هناك مقصود للزيارة خارج القصبة، وقد صرح بذلك بعض المتقدمين الذين حضروا وفاته، وقال: إنه دفن بتربة القائد مظفر خارج القصبة، وصلى عليه صاحبه أبو الحكم بن حجاج، رحمه الله تعالى!.

ومن بديع نظمه: [المتقارب]

أتتني تؤنبني بالبكاء           فأهلاً بها وبتأنيبها

تقول وفي نفسها حسرة:                     أتبكي بعين تراني بها؟

فقلت: إذا استحسنت غيركم           أمرت جفوني بتعذيبها

وقال رحمه الله تعالى: دخل علي الأديب ابن صارة وبين يدي نار علاها رماد، فقلت له: قل في هذه، فقال: [الكامل]

شابت نواصي النار بعد سوادها                     وتسترت عنا بثوب رماد

ثم قال لي أجز، فقلت: [الكامل]

شابت كما شبنا وزال شبابنا                           فكأنما كنا على ميعاد

وقد اختلف حذاق الأدباء في قوله: ولكنه رمح وثان وثالث ما هو الثاني والثالث؟ فقيل: القد واللحظ، وقيل غير ذلك.

ولما ذكر رحمه الله تعالى في كتابه قانون التأويل ركوبه البحر في رحلته من إفريقية قال: وقد سبق في علم الله تعالى أن يعظم علينا البحر بزوله، ويغرقنا في هوله، فخرجنا من البحر خروج الميت من القبر، وانتهينا بعد خطب طويل إلى بيوت بني كعب بن سليم، ونحن من السغب، على عطب، ومن العري، في أقبح زي، قد قذف البحر زقاق زيت مزقت الحجارة منيئتها، ودسمت الأدهان وبرها وجلدتها، فاحترمناها أزراً، واشتملناها لفافاً، تمجنا الأبصار، وتخذلنا الأنصار، فعطف أميرهم علينا، فأوينا إليه فآوانا، وأطعمنا الله تعالى على يديه وسقانا، وأكرم مثوانا، وكسانا بأمر حقير ضعيف، وفن من العلم طريف، وشرحه أنا لما وقفنا على بابه ألفيناه يدبر أعواد الشاه، فعل السامد اللاه، فدنوت منه في تلك الأطمار، وسمع لي بياذقته إذ كنت من الصغر في حد يسمع فيه للأغمار، ووقفت بإزائهم، أنظر إلى تصرفهم من ورائهم، إذ كان علق بنفسي بعض ذلك من بعض القرابة في خلس البطالة، مع غلبة الصبوة والجهالة، فقلت للبياذقة: الأمير أعلم من صاحبه، فلمحوني شزراً، وعظمت في أعينهم بعد أن كنت نزراً، وتقدم إلى الأمير من نقل إليه الكلام، فاستدناني، فدنوت منه، وسألني: هل لي بما هم فيه بصر؟ فقلت: لي فيه بعض نظر، سيبدو لك ويظهر، حرك تلك القطعة، ففعل كما أشرت وعارضه صاحبه، فأمرته أن يحرك أخرى، وما زالت الحركات بينهم كذلك تترى، حتى هزمهم الأمير، وانقطع التدبير، فقالوا: ما أنت بصغير، وكان في أثناء تلك الحركات قد ترنم ابن عم الأمير منشداً: [الطويل]

وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه                          وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي

فقال: لعن الله أبا الطيب! أو يشك الرب؟ فقلت له في الحال: ليس كما ظن صاحبك أيها الأمير، إنما أراد بالرب ههنا الصاحب، يقول: ألذ الهوى ما كان المحب فيه من الوصال، وبلوغ الغرض من الآمال، على ريب، فهو في وقته كله على رجاء لما يؤمله، وتقاة لما يقع به، كما قال: [الطويل]

إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضاً                         فأين حلاوات الرسائل والكتب

وأخذنا نضيف إلى ذلك من الأغراض، في طرفي إبرام وانتقاض، ما حرك منهم إلى جهتي دواعي الانتهاض، وأقبلوا يتعجبون مني ويسألوني كم سني، ويستكشفونني عني، فبقرت لهم حديثي، وذكرت لهم نجيثي، وأعلمت الأمير بأن أبي معي، فاستدعاه، وقمنا الثلاثة إلى مثواه، فخلع علينا خلعه، وأسبل علينا أدمعه، وجاء كل خوان، بأفنان وألوان.

ثم قال بعد المبالغة في وصف ما نالهم من إكرامه: فانظر إلى هذا العلم الذي هو إلى الجهل أقرب، مع تلك الصبابة اليسيرة من الأدب، كيف أنقذا من العطب؟ وهذا الذكر يرشدكم إن عقلتم إلى المطلب، وسرنا حتى انتهينا إلى ديار مصر، انتهى مختصراً.

والزول: العجب، ونجيث الخبر: ما ظهر من قبيحه، يقال: بدا نجيث القوم، إذا ظهر سرهم الذي كانوا يخفونه، قالهما الجوهري.

وذكر -رحمه الله تعالى-! في رحلته عجائب:

منها: أنه حكى في دخوله بدمشق بيوت بعض الأكابر أنه رأى فيه النهر جارياً إلى موضع جلوسهم، ثم يعود من ناحية أخرى، فلم أفهم معنى ذلك حتى جاءت موائد الطعام في النهر المقبل إلينا، فأخذها الخدم ووضعوها بين أيدينا، فلما فرغنا ألقى الخدم الأواني وما معها في النهر الراجع، فذهب بها الماء إلى ناحية الحريم من غير أن يقرب الخدم تلك الناحية، فعلمت السر، وإن هذا لعجيب، انتهى بمعناه.

وقال في قانون التأويل : ورد علنيا ذا نشمند -يعني الغزالي - فنزل برباط أبي سعد بإزاء المدرسة النظامية، معرضاً عن الدنيا، مقبلاً على الله تعالى، فمشينا إليه، وعرضنا أمنيتنا عليه، وقلت له: أنت ضالتنا التي كنا ننشد، وإمامنا الذي به نسترشد، فلقينا لقاء المعرفة، وشاهدنا منه ما كان فوق الصفة، وتحققنا أن الذي نقل إلينا من أن الخبر على الغائب فوق المشاهدة ليس على العموم ولو رآه علي بن العباس لما قال: [المتقارب]

إذا ما مدحت امراً غائباً                              فلا تغل في مدحه واقصد

فإنك إن تغل تغل الظنو                        ن فيه إلى الأمد الأبعد

فيصغر من حيث عظمته                      لفضل المغيب على المشهد

وكنت نقلت من المطمح في حقه ما صورته: الفقيه الحافظ أبو بكر بن العربي علم الأعلام الطاهر الأثواب، الباهر الألباب، الذي أنسى ذكاء إياس، وترك التقليد للقياس، وأنتج الفرع من الأصل، وغدا في يد الإسلام أمضى من النصل، سقى الله تعالى به الأندلس بعدما أجدبت من المعارف، ومد عليها منه الظل الوارف، وكساها رونق نبله، وسقاها ريق وبله، وكان أبوه أبو محمد بإشبيلية بدراً في فلكها، وصدراً في مجلس ملكها، واصطفاه معتمد بني عباد، اصطفاه المأمون لابن أبي دواد، وولاه الولايات الشريفة، وبوأه المراتب المنيفة، فلما أقفرت حمص من ملكهم وخلت، وألقتهم منها وتخلت، رحل به إلى المشرق، وحل فيه محل الخائف الفرق، فجال في أكنافه، وأجال قداح الرجاء في استقبال العزو استئنافه، فلم يسترد ذاهباً، ولم يجد كمعتمده باذلاً له وواهباً، فعاد إلى الرواية والسماع، وما استفاد من آمال تلك الأطماع، وأبو بكر إذ ذاك في ثرى الذكاء قضيب ما دوح، وفي روض الشباب زهر ما صوح، فألزمه مجالس العلم رائحاً وغادياً، ولازمه سائقاً إليها وحادياً، حتى استقرت به مجالسه، واطردت له مقايسه، فجد في طلبه، واستجد به أبوه متمزق أربه، ثم أدركه حمامه، ووارته هناك رجامه، وبقي أبو بكر متفرداً، وللطلب متحرداً، حتى أصبح في العلم وحيداً، ولم تجد عنه رياسته محيداً، فكر إلى الأندلس فحلها والنفوس إليه متطلعة، ولأنبائه مستمعة، فناهيك من حظة لقي، ومن عزة سقي، ومن رفعة سما إليها ورقي، وحسبك من مفاخر قلدها، ومحاسن أنس أثبتها فيها وخلدها، وقد أثبت من بديع نظمه ما يهز أعطافاً، وترده الأفهام نطافاً، فمن ذلك قوله يتشوق إلى بغداد، ويخاطب فيها أهل الوداد: [الطويل]

أمنك سرى والليل يخدع بالفجر                      خيال حبيب قد حوى قصب الفخر؟

جلا ظلم الظلماء مشرق نوره                           ولم يخبط الظلماء بالأنجم الزهر

ولم يرض بالأرض البسيطة مسحباً                       فسار على الجوزا إلى فلك يجري

وحث مطايا قد مطاها بعزة                            فأوطأها قسراً على قنة النسر

فصارت ثقالاً بالجلالة فوقها                         وسارت عجالاً تتقي ألم الزجر

وجرت على ذيل المجرة ذيلها                            فمن ثم يبدو ما هناك لمن يسري

ومرت على الجوزاء توضع فوقها                        فآثار ما مرت به كلف البدر

وساقت أريج الخلد من جنة العلا                        فدع عنك رملاً بالأنيعم يستذري

فما حذرت قيساً ولا خيل عامر                        ولا أضمرت خوفاً لقاء بني ضمر

سقى الله مصراً والعراق وأهلها                       وبغداد والشامين منهمل القطر

ومن أليف الحافظ أبي بكر بن العربي المذكور كتاب القبس، في شرح موطأ مالك بن أنس وكتاب ترتيب المسالك، في شرح موطأ مالك وكتاب أنوار الفجر وكتاب أحكام القرآن وكتاب عارضة الأحوذي، في شرح الترمذي والأحوذي- بفتح الهمزة، وسكون الحاء المهملة، وفتح الواو، وكسر الذال المعجمة، وآخره ياء مشددة. وكتاب مراقي الزلف وكتاب الخلافيات وكتاب نواهي الدواهي وكتاب سراج المريدين وكتاب المشكلين: مشكل الكتاب، والسنة وكتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن وكتاب قانون التأويل وكتاب النيرين، في الصحيحين وكتاب سراج المهتدين وكتاب الأمد الأقصى، بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا وكتاب في الكلام على مشكل حديث السبحات والحجاب ، وكتاب العقد الأكبر، للقلب الأصغر و تبيين الصحيح، في تعيين الذبيح و تفصيل التفضيل، بين التحميد والتهليل ورسالة الكافي، في أن لا دليل على النافي وكتاب السباعيات وكتاب المسلسلات وكتاب المتوسط في معرفة صحة الاعتقاد، والرد على من خالف أهل السنة من ذوي البدع والإلحاد وكتاب شرح غريب الرسالة وكتاب الإنصاف، في مسائل الخلاف عشرون مجلداً، وكتاب حديث الإفك وكتاب المحصول، في علم الأصول وكتاب أعيان الأعيان وكتاب ملجأة المتفقهين، إلى معرفة غوامض النحويين وكتاب ترتيب الرحلة وفيه من الفوائد ما لا يوصف.

ومن فوائد القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله تعالى قوله: قال علماء الحديث: ما من رجل يطلب الحديث غلا كان على وجهه نضرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها- الحديث قال: وهذا دعاء منه عليه الصلاة والسلام لحملة علمه، ولا بد بفضل الله تعالى من نيل بركته، انتهى.

وإلى هذه النضرة أشار أبو العباس العزفي بقوله: [الكامل]

أهل الحديث عصابة الحق                           فازوا بدعوة سيد الخلق

فوجوههم زهر منضرة                      لألاؤها كتألق البرق

يا ليتني معهم فيدركني                              ما أدركوه بها من السبق

ولا بأس أن نذكر هنا بعض فوائد الحافظ أبي بكر بن العربي رحمه الله تعالى:

فمنها قوله في تصريف المحصنات: يقال: أحصن الرجل فهو محصن -بفتح العين في اسم الفاعل- وأسهب في الكلام فهو مسهب، إذا أطال البحث فيه، وألفج فهو ملفج، إذا كان عديماً، لا رابع لها، والله تعالى أعلم، انتهى.

ومنها قوله: سمعت الشيخ فخر الإسلام أبا بكر الشاشي وهو ينتصر لمذهب أبي حنيفة في مجلس النظر يقول: يقال في اللغة العربية لا تقرب كذا. بفتح الراء. أي لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن من الموضع، وهذا الذي قاله صحيح مسموع، انتهى.

ومنها قوله: شاهدت المائدة بطورزيتا مراراً، وأكلت عليها ليلاً ونهاراً، وذكرت الله سبحانه فيها سراً وجهاراً، وكان ارتفاعها أشف من القامة بنحو الشبر، وكان لها درجان قبلي وجنوبي، وكانت صخرة صلوداً لا تؤثر فيها المعاول، وكان الناس يقولون: مسخت صخرة إذ مسخ أربابها قردة وخنازير، والذي عندي أنها كانت سخرة في الأصل قطعت من الأرض محلاً للمائدة النازلة من السماء، وكل ما حولها حجارة مثلها، وكان ما حولها محفوفاً بقصور، وقد نحتت في ذلك الحجر الصلد بيوت أبوابها منها ومجالسها منها، مقطوعة فيها، وحناياها في جوانبها، وبيوت خدمتها قد صورت من الحجر كما تصور من الطين والخشب، فإذا خلت في قصر من قصورها ورددت الباب وجعلت من ورائه صخرة مقدار ثقل ثمن درهم لم يفتحه أهل الأرض للصوقه بالأرض، وإذا هبت الريح وحثت تحته التراب لم يفتح إلا بعد صب الماء تحته والإكثار منه حتى يسيل بالتراب، وينفرج منفرج الباب، وقد بار بها قوم بهذه العلة، وقد كنت أخلو فيها كثيراً للدرس، ولكني كنت في كل حين أكنس حول الباب، مخافة مما جرى لغيري فيها، وقد شرحت أمرها في كتاب ترتيب الرحلة بأكثر من هذا، انتهى.

ومنها قوله رحمه الله تعالى: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي حديث أبي ثعلبة المرفوع إن من ورائكم أياماً للعامل فيها أجر خمسين منكم، فقالوا: بل منهم، فقال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير أعواناً، وهم لا يجدون عليه أعواناً وتفاوضت كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة مع أنهم قد أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين وأقاموا المنار، وافتتحوا الأمصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح : لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه فتراجعنا القول، وتحصل ما أوضحناه في شرح الصحيح، وخلاصته: أن الصحابة كانت لهم أعمال كثيرة لا يلحقهم فيها أحد، ولا يدانيهم فيها بشر، وأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام، وهو أيضاً انتهاؤه، وقد كان قليلاً في ابتداء الإسلام، صعب المرام، لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضاً يعود كذلك، لوعد الصادق صلى الله عليه وسلم بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب، كما قال صلى الله عليه وسلم: لتركبن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه وقال صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ . فلا بد والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإسلام إلى واحد، كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الأجر أضعاف ما كان لمن كان متمكناً منه معاناً عليه بكثرة الدعاء إلى الله تعالى، وذلك قوله: لأنكم تجدون على الخير أعواناً وهم لا يجدون عليه أعواناً حتى ينقطع ذلك انقطاعاً باتاً لضعف اليقين وقلة الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله يروى برفع الهاء ونصبها، فالرفع على معنى لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل، والنصب على معنى لا يبقى آمر بمعروف ولا ناه عن المنكر يقول: أخاف الله، حينئذ يتمنى العاقل الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني كنت مكانه انتهى وأنشد رحمه الله تعالى لبعض الصوفية: [السريع]

امتحن الله بذا خلقه فالنار والجنة في قبضته

فهجره أعظم من ناره ووصله أطيب من جنته

ومن فوائد ابن العربي رحمه الله تعالى أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور ابن جهير على رتبة بيناها في كتاب الرحلة، للترغيب في الملة فقرأ القارئ تحيتهم يوم يلقونه سلام [الأحزاب: 44] وكنت في الصف الثاني من الحلقة بظهر أبي الوفاء علي بن عقيل إمام الحنبلية بمدينة السلام، وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله في الآخرة: فإن العرب لا تقول: لقيت فلانا إلا إذا رأته، فصرف وجهه أبو الوفاء مسرعاً إلينا، وقال ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله تعالى لا يرى في الآخرة: فقد قال الله تعالى: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه [التوبة: 77] وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة، وقد شرحنا وجه الآية في المشكلين، وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه، فيحتمل ضمير يلقونه أن يعود إلى ضمير الفاعل في (أعقبهم) المقدر بقولنا هو، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازاً على تقدير الجزاء، انتهى.

ومنها ما نقله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يقل أحدكم انصرفنا من الصلاة فإن قوماً قيل فيهم ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم [التوبة: 127] وقد أنبأنا محمد بن عبد الملك القيسي الواعظ، أنبأنا أبو الفضل الجوهري سماعاً منه: كنا في جنازة فقال المنذر بها: انصرفوا رحمكم الله تعالى، فقال: لا يقل أحدكم انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم [التوبة: 127] ولكن قولوا: انقلبوا رحمكم الله، فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء [آل عمران: 174] انتهى.

ومنها، وقد ذكر الخلاف في شاهد يوسف، ما صورته: فإذا قلنا إنه القميص، فكان يصح من جهة اللغة أن يخبر عن حاله بتقدم مقاله، فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال في بعض الأمور، وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات بما تخبر عنه بما عليها من الصفات، ومن أحلاه قول بعضهم: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني، ما يتركني ورائي، هذا الذي ورائي، لكن قوله تعالى بعد ذلك: من أهلها [يوسف: 26] في صفة الشاهد يبطل أن يكون القميص، وأما من قال إنه ابن عمها أو رجل من أصحاب العزيز فإنه يحتمل، لكن قوله: من أهلها [يوسف: 26] يعطي اختصاصها من جهة القرابة، انتهى.

ومنها قوله: إنه كان بمدينة السلام إمام من الصوفية وأي إمام، يعرف بابن عطاء، فتكلم يوماً على يوسف وأخباره، حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: يا شيخ، يا سيدنا، فإذن يوسف هم وما تم، فقال: نعم، لأن العناية من ثم، فانظروا إلى حلاوة العالم والمتعلم وفطنة العامي في سؤاله، والعالم في اختصاره واستيفائه، ولذا قال علماؤنا الصوفية: إن فائدة قوله تعالى: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما [يوسف: 22] إن الله تعالى أعطاه العلم والحكمة أيام غلبة الشهوة لتكون له سبباً للعصمة. انتهى.

ومنها قوله: كنت بمكة مقيماً في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكنت أشرب من ماء زمزم كثيراً، وكل ما شربته نويت به العلم والإيمان، ففتح الله تعالى لي ببركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما، حتى يفتح الله تعالى لي فيهما، ولم يقدر فكان صفوي للعلم أكثر منه للعمل، وأسأل الله تعالى الحفظ والتوفيق برحمته.

ومنها قوله: سمعت إمام الحنابلة بمدينة السلام أبا الوفاء علي بن عقيل يقول: إنما تبع الولد الأم في المالية وصار بحكمها في الرق والحرية لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له، ولا مالية فيه، ولا منفعة مبتوتة عليه، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها، فلذلك تبعها، كما لو أكل رجل تمراً في أرض رجل وسقطت منه نواة في الأرض م يد الآكل فصارت نخلة فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل بإجماع من الأمة، لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها، وهذه من البدائع، انتهى.

ومنها قوله: ومن نوادر أبي الفضل الجوهري ما أخبرنا عنه محمد بن عبد الملك الواعظ وغيره أنه كان يقول: إذا أمسكت علاقة الميزان بالإبهام والسبابة، وارتفعت سائر الأصابع كان شكلها مقروأ بقولك الله، فكأنها إشارة منه سبحانه في تيسير الوزن كذلك إلى أن الله سبحانه مطلع عليك، فاعدل في وزنك، انتهى.

ومنها قوله: كان ابن الكازروني يأوي إلى المسجد الأقصى، ثم تمتعنا به ثلاث سنوات، ولقد كان يقرأ في مهد عيسى عليه السلام فيسمع من الطور، فلا يقدر أحد أن يصنع شيئاً دون قراءته، إلا الإصغاء إليه، انتهى.

ومنها قوله في تفسير قوله تعالى في أيام نحسات [فصلت: 16] قيل: إنها كانت آخر شوال، من الأربعاء إلى الأربعاء، والناس يكرهون السفر يوم الأربعاء لأجل هذه الرواية، حتى إني لقيت يوماً مع خالي الحسن بن أبي حفص رجلاً من الكتاب، فودعنا بنية السفر، فلما فارقنا قال لي خالي: إنك لا تراه أبداً لأنه سافر في يوم أربعاء لا يتكرر، وكذا كان، مات في سفره، وهذا ما لا أراه، لأن يوم الأربعاء يوم عجيب، بما جاء في الحديث من الخلق فيه والترتيب، فإن الحديث ثابت بأن الله تعالى خلق يوم السبت التربة، ويوم الأحد الجبال، ويوم الاثنين الشجر، ويوم الثلاثاء المكروه، ويوم الأربعاء النور، وروى النون، وفي غريب الحديث أنه خلق يوم الأربعاء التقن، وهو كل شيء تتقن به الأشياء، يعني المعادن من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص، فاليوم الذي خلق فيه المكروه لا يعافه الناس، واليوم الذي خلق فيه النور أو التقن يعافونه، إن هذا لهو الجهل المبين!. وفي المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الأحزاب من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء بين الظهر والعصر، فاستجيب له، وهي ساعة فاضلة، فالآثار الصحاح تدل على فضل هذا اليوم، فكيف يدعى فيه التحذير والنحس بأحاديث لا أصل لها، وقد صور قوم أياماً من الأشهر الشمسية ادعوا فيها الكراهية لا يحل لمسلم أن ينظر إليها ولا يشغل بها بالاً، فحسبهم الله، انتهى.

ومنها: وكان يقرأ معنا برباط أبي سعيد على الإمام دانشمند من بلاد المغرب خنثى ليس له لحية وله ثديان وعنده جارية، فربك أعلم به، ومع طول الصحبة عقلني الحياء عن سؤاله، وبودي اليوم لو كاشفته عن حاله، انتهى.

ومن شعر ابن العربي مما نسبه الشيخ أبو حيان قوله: [مجزوء الرمل]

ليت شعري هل دروا               أي قلب ملكوا

وفؤادي لو درى                     أي شعب سلكوا

أتراهم سلموا                         أم تراهم هلكوا

حار أرباب الهوى في الهوى وارتبكوا

ومن فوائده: أخبرني المهرة من السحرة بأرض بابل أنه من كتب آخر آية من كل سورة ويعلقها لم يبلغ إليه سحرنا، قال: هكذا قالوا، والله تعالى أعلم بما نقلوه.

وقال رحمه الله تعالى: حذقت القرآن ابن تسع سنين ثم ثلاثاً لضبط القرآن والعربية والحساب، فبلغت ست عشرة وقد قرأت من الأحرف نحواً من عشرة بما يتبعها في إظهار وإدغام ونحوه، وتمرنت في العربية واللغة، ثم رحل بي أبي إلى المشرق، ثم ذكر تمام رحلته، رحمه الله تعالى!.

 

وقيل في شذرات الذهب في اخبار من ذهب:

 

القاضي أبو بكر بن العربي

وفيها القاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ أحد الأعلام وعالم أهل الأندلس ومسندهم ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين ودخل الشام فسمع من الفقيه نصر المقدسي وأبي الفضل بن الفرات وببغداد من أبي طلحة النعالي وطراد وبمصر من الخلعي وتفقه على الغزالي و أبي بكر الشاشي و الطرطوشي وكان من أهل اليقين في العلوم والاستبحار فيها مع الذكاء المفرط ولي قضاء إشبيلية مدة وصرف فأقبل على نشر العلوم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين رحل مع أبيه أبي محمد الوزير فسمع من خلق كثير كان من الثقات الأثبات والأئمة المشهورين وله عدة مصنفات وقال ابن بشكوال في كتاب الصلة هو الإمام الحافظ المتبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الإثنين ثاني جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة فأخبرني أنه رحل إلى الشرق مع أبيه يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وأنه دخل الشام ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي وتفقه عنده ودخل بغداد وسمع بها من جماعة من أعيان مشايخها ثم دخل الحجاز فحج في موسم سنة تسع وثمانين ثم عاد إلى بغداد وصحب بها أبا بكر الشاشي و أبا حامد الغزالي وغيرهما من العلماء والأدباء ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدماً في المعارف كلها متكلماً في أنواعها ناقداً في جميعها حريصاً على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضى ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين صورة مرهوبة ثم صرف عن القضاء واقبل على نشر العلم وبثه وسألته عن مولده فقال ولدت يوم الخميس ثاني عشرى شعبان سنة ثمانين وأربعمائة وتوفي بالغدوة ودفن بمدينة فاس في شهر ربيع الآخر رحمه الله تعالى انتهى وقال ابن خلكان وهذا الحافظ له مصنفات منها كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي وغيره من الكتب.

 

 

موقع الغزالي          -          موقع الفلسفة الإسلامية